
رفحاء، 7 مارس 2025 – يعد مسجد لينا، أحد أقدم المساجد وأهمها تاريخياً في منطقة الحدود الشمالية بالمملكة العربية السعودية، شاهداً بارزاً على التراث الثقافي والمعماري الغني للمنطقة. يقع المسجد في قرية لينا التاريخية في رفحاء، وهو مثال استثنائي للعمارة النجدية التقليدية، المصنوعة باستخدام مواد محلية تعكس براعة ومهارة الماضي. تم بناء المسجد في المقام الأول من الطين والطوب اللبن والحجارة وخشب الأثل وسعف النخيل، ويقدم لمحة عن تقنيات البناء القديمة التي صمدت لقرون، وحافظت على جوهر تراث المنطقة.
يعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 1370 هـ تقريبًا، وهي الفترة التي تميز أهميته التاريخية. تم بناء المسجد، الذي يمتد على مساحة 600 متر مربع، باستخدام مواد متوفرة بسهولة في البيئة المحلية. ومن أبرز ما يميز المسجد بئره الذي لا يزال يزود المصلين بالمياه للوضوء، وهو ما يرمز إلى الدور الأساسي للمسجد في خدمة الاحتياجات الروحية للمجتمع. ويتميز تصميم المسجد بأنه تقليدي ولكنه متطور، حيث يضم أعمدة خشبية ورفوف مدمجة داخل الجدران لحمل نسخ من القرآن الكريم وفوانيس تراثية تضيف أجواءً روحانية رائعة إلى المكان. وبفضل قدرته على استيعاب أكثر من 200 مصلٍ، عمل مسجد لينا تاريخيًا ليس فقط كمكان للصلاة ولكن أيضًا كمركز للتعليم. ولطالما كان بمثابة منصة لتعليم الشباب مبادئ التوحيد واستضافة الدروس الدينية، وبالتالي لعب دورًا أساسيًا في تعزيز الوعي الديني للمجتمع وارتباطه بإيمانه.
يعتبر موقع المسجد مهمًا بنفس القدر. فهو يقع بجوار السوق القديم الذي تأسس عام 1352 هـ ويُعد أحد أقدم وأهم المراكز التجارية في منطقة الحدود الشمالية. السوق، الذي يغطي مساحة تزيد عن 5000 متر مربع، يضم حوالي 80 متجرًا وكان مركزًا حيويًا للتجارة والتبادل، وخاصة خلال منتصف القرن العشرين. أصبح نقطة محورية للقوافل والتجار والمسافرين، حيث جمع بين الثقافات المتنوعة وعزز التفاعلات النابضة بالحياة. يعمل السوق، إلى جانب المسجد، كمعلم تاريخي يتحدث عن التراث الغني للمنطقة ودورها الاستراتيجي في ربط الناس من مختلف مناحي الحياة.
اليوم، يظل مسجد لينا، إلى جانب السوق القديم، معلمًا ثقافيًا دائمًا في منطقة الحدود الشمالية. إنه بمثابة وجهة للسياح ومصدر فخر للسكان المحليين، ويمثل أصالة المنطقة وثرائها الثقافي. يقف المسجد كشهادة حية على الإرث الدائم للهندسة المعمارية الإسلامية، ومرونة البناء التقليدي، والتاريخ النابض بالحياة للمنطقة. بصفته معلمًا روحيًا وثقافيًا، فإنه لا يزال بمثابة جسر بين الماضي والحاضر، ويدعو الزوار إلى التفكير في التراث العميق الجذور للمنطقة وأهميتها الخالدة في المشهد الثقافي للمملكة العربية السعودية.
